الاثنين، 14 يونيو 2010

الكذب وآثاره السلبية

الكذب وآثاره السلبية

 

clip_image001

 

ليس بالضرورة أن تكون مؤرخاً لتلحظ أن هناك تغيرات تربوية هائلة قد طرأت على النُظم التعليمية والتربوية في جميع عناصرها بدءاً من التخطيط وحتى التنفيذ والمتابعة، ولذلك نجد بأن الأهل في وقتنا هذا يواجهون تياراً من المواقف التربوية مكونة أي مركبة.

ويمكن أن نعتبر حالياً، على سبيل الدقة والحصر أن الثلث الأول من هذا القرن يفتقر للإنسانية، وقد أعقبته منذ الأربعينيات موجة من "الفهم للطفل"، ولقد وصلتنا عن طريق الولايات المتحدة الأميركية فكرة تحرر الطفل تحت عنوان" كل شيء مسموح".

ولكن علينا أن نؤمن ككبار بأن كل جيل يعمل بشكل أفضل وبكل الأحوال وبطريقة مختلفة عن الجيل الذي سبقه رغم كل السلبيات التي هو فيها شئنا أن أبينا معه أو ضده، التيار والتطور يسيران معاً ولن يستطيع أحد أن يوقف عجلة الحياة الدائرة.

من الممكن أن يقول القارئ إنني ابتعدت قليلاً عن الموضوع الذي نحن بصدده.

أقول أبداً، ولكن نتاج الحضارة والتطور زاد من بعض الصفات التي أعتبرها سيئة جداً في عصرنا الحاضر وأصبحت كالخبز اليومي في حياتنا، إذ لا تمضي دقيقة إلا ونستخدمها في سلوكنا وحياتنا وتصرفاتنا وآرائنا ألا وهو "الكذب"؟!

إن العمل على تنشئة الطفل على الأمانة في ذكر الوقائع هو عين العمل بوجه عام على تنشئته على الأمانة فيما يتصل بأملاك الغير، وكثيراً ما يصحب الكذب السرقة، بيد أن الكذب كثيراً ما يوجد قائماً بنفسه؛ لكن كثيراً من المواقف النفسانية كالشعور بالقصور مثلاً أو الشعور بالتباهي والتفاخر مثلاً تدفع طفلاً إلى الكذب، بينما تدفع عين المواقف طفلاً آخر للسرقة مثلاً، والأمانة في سرد الحقيقة كالأمانة بشأن أملاك الآخرين أمر يكتسب ولا يورث.

وهي تُكتسب بالتقليد، فمنذ الولادة والطفولة المبكرة وعندما نعامل الطفل عن طريق الكذب، " كُلْ هذه أشترِ لك لعبة" ولا أشتريها له.

" قل للجارة إنني غير موجودة " وأنا في البيت.

"أرد على الهاتف وأبدأ بالكذب على صديقتي أمام الطفل، طبخت كذا- أكلت كذا- اشتريت كذا.." الطفل يسمع ويجمع ويعرف كل شيء، فهو يلعب ويصغي وأحياناً كثيراً تعتقدين بأنه غير مبال لحديثك بينما هو عينه على اللعبة وأذنه مع الكبار في حديثهم.

والكذب من الأمراض الاجتماعية شديدة الخطورة، وهو منتشر بين الأطفال والمراهقين والكبار على حد سواء، وليعرف الجميع ما معنى الكذب يجب أن يعرف ما هو الصدق.

فالصدق يخيل لنا لأول وهلة بأنه مطابقة القول للفعل، ولكن كثيراً ما يحدث بأن يكون القول غير مطابق للواقع ويكون الإنسان صادقاً، كقول القدماء " إن الشمس تدور حول الأرض، وكثيراً ما يحدث أن يكون القول مطابقاً للأصل، ولكننا نعد الشخص كاذباً كقول بعضهم "ويل للمصلين"، ثم الوقوف عند ذلك.

إذاً المهم في الصدق أن تكون النية متوفرة لمطابقة القول بالفعل "مطابقة تامة" إذ يلاحظ في الكذب توفر النية لعدم المطابقة والتضليل.

ولذلك إذا نشأ الطفل في بيئة تحترم الحق وتلتزم الصدق حيث يفي القوم أبداً بما وعدوا وإذا عجزوا عن الوفاء شرحوا السبب في ذلك شرحاً وافياً، في بيئة لا يتخلص فيها الآباء أبداً بانتحال المحاذير المفتعلة وفي أسرة تلتزم الأمانة والصدق بقدر دعوتها إليها، لأن الطفل إذا لم أبالغ نسخة مصغرة عن والديه وإخوته نسخة تُرسم ملامحها عن ملامح الأب والأم وطريقة تعاملها مع بعضهما ومع الأهل ومع الناس ومع الأقارب والأولاد، ولذلك احذروا أيها الكبار

فهناك ملاك صغير يسجل ويحفظ ويبرمج كل ما يجري في بيوتكم.

فكثيراً ما يسمع الطفل أبويه أو أحدهما يشكك في صدق الآخر، أو إذا شاهد أمه تتخلص مما يثقل عليها من الواجبات الاجتماعية بادّعاء المرض، أو إذا اشترك في خداع الأبوين أحدهما للآخر بأن يطلب إليه ألا يخبر أمه بهذا الأمر أو أباه بذلك، أو إذا بذلت له مختلف الوعود ثم تواتر خلفها دون إيضاح، أو إذا خدعه الكبار أو غشوه في معاملاتهم.

لذلك ينبغي على الطفل أن يؤمن من صلاته اليومية بمن يعيش معهم أنهم يتوقعون الصدق منه وأن للأسرة مستوى أخلاقياً وأن هذا المستوى مقومٌ من مقومات الحياة اليومية التي ينبغي أن يسمو إليها، ولكن ودون مبالغة نجد الآن كثيراً من الأسر زادها الذي تفخر به أمام الجميع أن الكذب عندهم هو محور حياتهم ولا يعرفون التعامل بغير طريقه؛ لأنهم مفرغون من الداخل من الصفات الأخلاقية ويعتبرون سلوكهم هو السلوك المشرف والذي عن طريقه يكتسبون المراتب والمال و.. يعتبرونه نوعاً من الذكاء الاجتماعي والذي عليهم ممارسته لكثير من المنافع، إذ تبنى حياتهم على الكذب الادّعائي، وهذا النوع من الكذب يوجه عادة لتعظيم الذات وجعلها مركز الانتباه والإعجاب وهو ينشأ عادة من الشعور بالنقص وتعظيم الذات عن طريق الكذب لتغطية هذا الشعور بالنقص "نملك كذا وكذا.. ذهبنا في رحلة إلى وإلى..

وخاصة إذا ما وُجد الشخص في بيئة أعلى من مستواه في ناحية ما وكانت نفسه تتوق إلى الوصول لهذا المستوى فنجده يكذب ويكذب ويتملق هذا وذاك للوصول إلى ما يريد وخاصة إذا لم يستطع الوصول عن طريق المسلك السليم فيلجأ إلى الطرق البعيدة عن الحقيقة المخالفة للواقع والمخترعة من مخيلته، وهذا ما يؤدي بالإنسان إلى عدم قدرته على الانسجام مع ذاته ولا مع من حوله، ومن ضيق البيئة التي يعيش فيها مثلاً بالنسبة إلى البيئة التي تضطره ظروفه لها.

كالعمل أو المدرسة فيؤدي ذلك إلى المزيد من الإذلال والقمع، والحسد والألم.. وكثيراً ما يلجأ الأطفال والمراهقون والمراهقات بالأخص للكذب على الأهل لأنهم يشعرون بأن ما يفعلونه من سلوكيات خارج البيت لا ترضي الأهل أو عكس مبادئهم أو أخلاقياتهم فيضطرون للكذب وخاصة إذا افتقدوا للصراحة والصدق والثقة.

ولعل مردَّ ذلك أننا فرّطنا كثيراً في تدليل أولادنا مما جعلهم يكبرون قبل أوانهم ولذلك اعتقدوا هم بأنهم أصبحوا كباراً وعليهم أن يسلكوا طريق الكبار ويبتعدوا عن قوانيننا، لأننا برأيهم كمثل السجن بالنسبة لهم، ولذلك علينا أن نكون القدوة والمكان الآمن لهم بالصبر والتأنّي والترغيب وغير ذلك لا يجدي نفعاً، وإذا ابتعدنا عنهم فهناك مئات المؤثرات الخارجية السيئة بانتظارهم، علينا الدخول إلى عالمهم وإلا دخل غيرنا واحتل مكاننا في نفوس أولادنا.

وليس تقليد سلوك الآباء هو السبب الوحيد في كذب الأبناء لكنه مع هذا سبب شائع في حياة الطفل منذ وقت مبكر، وهو سبب من اليسير حقاً أن نتلافاه، فكثيراً ما يلجأ الطفل في سبيل المفاخرة بقيمته الذاتية إلى المبالغة في بعض المواقف التي قام بدور فيها، وكثيراً ما يكون للأقاصيص التي ينسجها أساس واه من الواقع، بيد أنها كثيراً ما تكون أموراً لفّقها الطفل حتى لا يتجاهل الناس أمره تجاهلاً مطلقاً، ويغلب أن يصدر هذا النوع من التلفيقات من البنت أو الولد الذي تضيق به الحيلة والذي لا يستطيع أن يساهم مع المجموعة التي يتصل بها إلا بقدر ضئيل، لكنه رغم هذا يتوق إلى تحقيق شيء يستحق الذكر والتنويه، وهذا ينقله بأجنحة الخيال إلى عالم من الوهم والتلفيق لرغبات لم تتحقق.

clip_image003

وقد يستخدم بعض الناس الكذب الفرضي "أو الأناني"، فقد يكذب الطفل أو المراهق أو الكبير ليحقق غرضاً شخصياً ملحاً بالنسبة له، فقد يحتاج لدراهم للذهاب لمكان ما، أو شراء شيء فيلجأ إلى الكذب "الأستاذ يريد كذا، أو المدير يحتاج إلى كذا.. ونعالج هذا النوع من الكذب بمعرفة احتياجات هذا الطفل أو هذا المراهق وخاصة ما يتعلق بحاجاته المدرسية أو الشخصية، ولكن كيف نتدبر عالم الكبار الذين كثيراً ما يعتمدون هذا كأسلوب حياة قائمة بأكملها على الدَّين والسلفة والجمعيات من هذا وذاك فهنا الكذب أعتبره إدماناً، وإدماناً لعيناً لا يستطيع الفرد منه فراراً " على قد بساطك مد رجليك".

وهناك الكذب الانتقامي: وهذا الأسلوب هو نوع من الكذب الذي يستخدمه الإنسان ليوقع بالآخر لأنه لا يحبه أو لا يريد منه أن يتقرب لشخص هو يريده لنفسه "المراهقة التي تحب وتحاول أن تتقرب من محبوبها تحاول الإيقاع بصديقاتها وتكذب الأكاذيب عنهم وتصطنع إسقاط صفات سيئة عليهن لإبعادهم عن نظر حبيبها"، وقد يكذب المراهق انتقاماً في حالات الغيرة والحسد أو الشعور بعدم المساواة والعدل في المعاملة بينهم وبين من يتهمونه.

وهناك الكذب الوقائي والذي يستخدمه الفرد في الدفاع عن أصدقائهم لحمايتهم من العقاب وهذا يعتبرونه مظهراً من مظاهر الولاء للجماعة وعليهم التمسك به وبرأيهم أن هذا النوع من السلوك ليس كذباً إنما هو التزام بقوانين الجماعة والتي لها مبادئها الأخلاقية عليهم التمسك بها.

وأنا لست بصدد القول بأن ألغي دور العقاب نهائياً ولكن في أكثر الأحيان أجده غير مجدٍ، إذ ينبغي أن يعرف الفرد بأن قول الصدق يجدي نفعاً أكبر، وأن يعرف بأن هناك عقاباً خاصاً يترتب على بعض الأخطاء إذا ارتكبها وأنه لا يكفي لسداد الدين اعترافك بما استدنت، وهناك الكذب العنادي يستخدمه الإنسان لمجرد الاستفزاز وإشعارك بالضيق مثال: عندما يستفز الزوج زوجته ويبدأ الكذب عليها، رأيت وذهبت مع .. بهدف إغضابها وإزعاجها ليشعر هو بالسرور والنشوة.

ومن أخطر حالات الكذب هو الكذب المرضي والتي يصبح السلوك فيها أو القول لا شعورياً وخارجاً عن إرادة الإنسان وهي معروفة في كل مكان وزمان ويصبح محور حياة الإنسان قائماً على الكذب والافتراء وما أكثرهم في مجتمعاتنا.

من هذا كله هل نقول إن الكذب لا علاج له؟! طبعاً من الخطأ قول ذلك؛ ولكن من أبغض الطرق في العلاج الالتجاء إلى العقاب وخاصة لدى الأطفال والمراهقين لأنه لا جدوى من ذلك البتة، فإذا واجه الوالد ابنه بقوله: "إني لأعرف أنك كنت تكذبني، وأعرف الحقيقة كاملة، فلم لا تعترف كما يفعل الرجال حتى لا تضيف الكذب إلى بقية ما ارتكبت من ذنوب!"، إذا فعل الوالد ذلك غلب أن يثور العصيان والتحدي بنفس ابنه إلى حد يتعسر معه الوصول إلى الصدق، بل الأفضل كثيراً من هذا أن يقول "إني لأرجو يا بني ألا تخفي عني شيئاً قد يساعدني على تقديم المعونة لك، وإني لموقن أن في ذهنك أمراً، فدعنا نتحدث في ذلك سوياً حين ترغب في ذلك، فقد تستفيد مما عندي من خبرة".

ولابد من تعديل ألفاظ هذه العبارة حتى تتناسب مع سن الطفل.

والمهم في هذا ألا نلزم الطفل إلزاماً باتخاذنا موضعاً لثقته وألا نطلب منه ذلك.

إذ نجد في كثير من الأوقات أن الطفل يقوى ميله إلى الخداع إذا زاد قلق الآباء وهمهم من ذلك، وحاولوا التحقق من كل عبارة يذكرها الطفل وأخذوا في التضييق عليه إلى حد لا يجد منه مفراً إلا باللجوء إلى الكذب.

وكثير من الآباء الذين يتصفون بانحلال الخلق وإدمان الخمرة وكثرة الكذب وشدة الخداع يلجأ أطفالهم إلى هذا السلوك أو بعضه، وهنا تقع الأم في حيرة من أمرها فتجدها من خوفها على أطفالها تغرس في نفوسهم الكراهية والحقد على أبيهم وسلوكياته مما يبعدهم أكثر وأكثر عن الأسرة، أو تتركهم دون اهتمام أو رعاية نكاية بأبيهم وبأنه السبب في ضياعهم أو فلتانهم فيكون الطفل أو المراهق قد ضاع من أبيه وأمه.

أو أن تكون الأم شكاكة سيئة الظن أو فاقدة للثقة من زوجها وأولادها تحاسبهم على كل عبارة يلفظونها حساباً عسيراً حتى على أتفه الأسباب.

ويجب أن نترك ككبار فسحة للأطفال والمراهقين للتعبير عن أحلامهم وخيالهم لأنها كثيراً ما تكون فرصة للإفصاح عن أنفسهم وما يريدونه في المستقبل حتى ولو كان فيه شيء من الفلفل والبهارات غير الواقعية، فللأطفال كثير من الآمال والرغبات المطامح التي لا يمكن الإفصاح عنها إلا في عالم الوهم ودنيا الأحلام، هذا طبعاً للصغار والمراهقين، أما للكبار فليبتعدوا عنها فكفانا أحلاماً وآمالاً ولنبحث عن العقل في الوصول إلى حياة كريمة.

الاهتمام والإنصات للأطفال والمراهقين شيء مهم جداً لنعرف داخلهم، أحلامهم، ما يهددهم، ما يخيفهم، ما يطمحون إليه، حتى ولو كانت تافهة، وهدفنا من ذلك وضع الخطط الملائمة ليس لمواجهتها إنما لمساعدتهم في الوصول لمعرفة الحقيقة من الخيال بجو يملؤه الحب والأمان ويتعرفون من خلالها على الواقع والحقيقة ويوقنون بأن أبناءهم لن يستخدموا الكذب للتخلص من الحقيقة أو ابتغاءً للسوء والشر.

ولابد أن نعرف ككبار بأن الكذب نتائجه خطيرة على الفرد والأسرة والمجتمع بكامله، ويقول علماء النفس من خلال تجاربهم بأن هناك علاقة كبيرة بين الكذب والسرقة والجنوح فكثيراً ما يستغل الكذب لتغطية الذنوب والجرائم الأخرى.

وبأن الكذب له جذور تنمو في الأسرة وتترعرع في المدرسة والمجتمع وعلينا إبادتها في أرضها، وأن لا نخلق الظروف الملائمة لنموها وأن نعرف ما يحتاجه أطفالنا ونحاورهم وبأن ما نملكه كأهل من حب وعاطفة وأمان أكبر من أي مكسب خارجي.

ويجب أن نبتعد عن الأجواء التي تشجع على الكذب والوقاية خير من العلاج وأن نترك أسلوب العقاب والتمسك بالقوانين لأن أبناءنا لا يحبون هذا الأسلوب ولذلك علينا كسب الثقة واحترام الذات وغرس حب التفاهم والأخذ والعطاء مقام القانون، والعطف والمحبة محل السلطة والشك، ولكن على أن يدرك المراهق بأن العقوبة يجب أن تكون إذا لم يرتدع، وعلينا أن نقول "لا تكذب فتكذب".

ومن زرع حصد، فما تزرعه في بيتك تحصده في المستقبل، فالصدق منجاة للإنسان ويمكن أن يقول قائل إن هذه الدراسة نظرية وغير مقنعة وهي حالات مثالية لا يمكن للإنسان أن يمارسها فنحن اعتدنا على الكذب، لأن هناك ممارسات قد لا نقصد منها الكذب بحد ذاتها إنما نمارسها لقصد التخلص من إنسان أو زائر ثقيل الدم، أو تافه أو.. نعم قد نمارس كذباً أبيض ليس بقصد الإساءة لأحد.

إنما الكذب لا يسمى إلا كذباً أبيض كان أم أسود والطفل لا يفرق بين هذا أو ذاك إنما يقلده ويتقمصه ويصبح جزءاً من سلوكه يمارسه غير عابئ، أو يقوم به غير مدرك له.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.